عمر سيد أحمد
منذ إندلاع الحرب في الخرطوم في أبريل 2023 أصبحت يوغندا إحدى الوجهات الرئيسية للهاربين من الحرب، وفيها أعداد من اللاجئين السودانيين كانوا قد لجأوا إليها منذ أحداث معركة الذراع الطويل في 2008. حسب تحديث فبراير 2025 الصادر عن المفوضية السامية للاجئين في يوغندا فان عدد اللاجئين السودانيين في يوغندا منذ بدء الحرب في السودان في ابريل 2023 يبلغ 67,504 لاجئ، منهم 9,505 (14%) يعيشون في مناطق حضرية، والبقية يعيشون في مستوطنة كرياندونقو للاجئين بجانب أعداد من اللاجئين الكونغوليين والروانديين والبورنديين، والتنزانيين والكينيين والجنوب سودانيين. تقوم الحكومة اليوغندية بتمليك كل لاجئ قطعة أرض مساحتها نصف فدان، إضافة لأدوات زراعة وبذور، وادوات للطبخ، كما أن هناك دعم مادي غير منتظم من مفوضية اللاجئين يتمثل في حصة من الغذاء، وأموال تصرف عينياً، ويتلقى اللاجئون رعاية صحية مجانية في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية.
جغرافية مستوطنة كرياندونقو:
تقع المستوطنة في مقاطعة كرياندونقو ، في منطقة الغرب الأوسط، والتي يشقها الطريق الرئيسي الرابط بين العاصمة كمبالا وجنوب السودان، على الإحداثيات 32,06° شرقا، و 1,83 شمالا، على بعد 220 كيلومتر من العاصمة كمبالا، وتقطع المسافة بالسيارة في 4 – 5 ساعات من العاصمة. البيئة الطبيعية والطبوغرافية: يقع المعسكر على هضبة منبسطة يبلغ إرتفاعها ما بين 1,100 إلى 1,300 متر فوق سطح البحر، والمناخ شبه إستوائي رطب، ويتراوح معدل الأمطار بين 1,100 إلى 1,200 ملم في السنة. لا توجد أنهار دائمة الجريان في المعسكر، ويعتمد الناس على الأمطار في الزراعة، وعلى الآبار الجوفية للحصول على المياه للأغراض المنزلية، والتي يعمل غالبها بالحبل والبكرة او بالمضخات اليدوية (الكرجاكة)، ويساهم العدد البسيط للآبار في ظهور إحتكاكات بين اللاجئين من مختلف الجنسيات بصورة شبه دائمة حول الأبار ومضخات المياه اليدوية، بالذات في الفترات الصباحية، وعندما يشتد الحر.
ورغم سياسة دولة يوغندا المنفتحة تجاه اللاجئين، والتي تتيح لهم حرية الحركة والتنقل والعمل والتعليم والتملك، إلا أن الأعداد الكبيرة التي تدفقت في فترة زمنية قصيرة شكلت ضغط على الخدمات والموارد، ما أدى إلى:
1- نقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب والاستخدامات المنزلية بسبب محدودية تمويل العون الانساني الإقليمي والدولي.
2- تردي الخدمات الصحية.
3- إنعدام فرص العمل المستدام.
4- المشكلات النفسية والإجتماعية.
5- تردي العلاقات الاجتماعية مع المجتمعات المضيفة، والتي كانت مجتمعات لاجئين حتى وقت قريب، ولكنها تحولت بطول فترة مكوثها في يوغندا إلى مجتمعات مضيفة، ومنهم لاجئي جنوب السودان.
بسبب ارتفاع قدرات السودانيين التنظيمية خلال السنوات الخمس السابقة للجوئهم، إضافة لخوض الكثيرين منهم تجربة النزوح الداخلي في معسكرات دارفور وجنوب النيل الازرق وجنوب كردفان، وشرق السودان، تفرّد السودانيون اللاجئون في يوغندا بين رفاقهم من اللاجئين من الجنسيات الأخرى المعتمدة على قيادة قبلية أو عشائرية، بالتنظيم الذاتي التمثيلي من الأفواج الأولى الواصلة لمستوطنة كرياندونقو في الشهر الاول. ويقوم التنظيم الذاتي للاجئين السودانيين في يوغندا على التمثيل القاعدي المعاد تمثيله في جسمين، أحدهما تخطيطي والآخر تنفيذي، وهما: 1- المكتب القيادي لمجتمع اللاجئين السودانيين في يوغندا. 2- المكتب التنفيذي لمجتمع اللاجئين السودانيين في يوغندا. واقتلع اللاجئون السودانيون في المستوطنة حق أن يكون لكل تجمع cluster ممثل يقوم بتمثيلهم مباشرة أمام مكتب رئيس الوزراء OPM، ومفوضية العون الإنساني، والصليب الأحمر، وبرنامج الغذاء العالمي، وغيرهم من المنظمات والهيئات الأخرى ذات الصلة.
العنف في معسكر كرياندونقو:
رصد الأحداث في الفترة بين 11 إلى 13 يوليو 2025:
اليوم الأول (11 يوليو 2025):
اندلاع هجمات مفاجئة في ساعات المساء من مجموعات من أبناء النوير داخل المعسكر، استخدمت فيها الأسلحة البيضاء والعصي، ما أدى إلى وقوع إصابات خطيرة بين اللاجئين السودانيين ، بينهم نساء وأطفال وكبار سن وقتل إثنان. وكان ذلك بداية لحالة من الهلع العام، بدأت الأسر إثره في مغادرة مساكنها والاحتماء بالمراكز العامة والمباني الحكومية ومباني المنظمات الدولية العاملة في المستوطنة، وشهدت مجتمعات اللاجئين السودانيين منذ هذا اليوم حالات نزوح داخل حالة اللجوء القائمة.
اليوم الثاني (12 يوليو 2025):
توسعت رقعة العنف، وتم تسجيل حالات تهجير قسري لعشرات الأسر من مساكنهم داخل المعسكر تحت تهديد العنف، وظلت المنظمات الإنسانية صامتة حتى هذا اليوم.
اليوم الثالث (13 يوليو 2025):
استمرار التوترات مع انخفاض نسبي في حدة الهجمات بعد تدخل محدود من الجهات المعنية. ولكن الأوضاع الإنسانية ازدادت سوءًا مع نقص حاد في الخدمات الصحية، فلليوم الثالث ما زالت العديد من الأسر نازحة أو مهجرة قسريا داخل المعسكر، دون مأوى.
الآن، الاتجاه السائد في تفسير وتحليل أحداث يوليو ينحصر فقط حول تضييق اللاجئون السودانيون على مساحات أراضي زراعية كانت تزرع بواسطة مجتمع قبيلة النوير، التي تحولت إلى مجتمع مضيف، وفي اعتقادي أن الخطأ الجوهري يتمثل في نقل مجتمع كامل -مجتمع قبيلة النوير- من نمط الإنتاج الرعوي إلى نمط الإنتاج الزراعي بطريقة مفاجئة ودون تأهيل كافي يتيح لهم تقبل الانتقال، ومعرفة أبعاد ممارسة سبل كسب عيش جديدة فرضها عليهم واقع اللجوء، فالرعاة علاقتهم بالأرض هو أنها سطح يمشون عليه، هم وماشيتهم، ولا يعرفون عن مسألة حيازة/ تملك الأرض إلا ما عرفه كبار السن منهم -واعتمدوه بطريقة عرفية- عن نظام الحواكير السوداني القريب أذهانهم (ملكية القبيلة الجماعية للأرض)، مما يتعارض مع نظام الدولة المضيفة المسئولة عن منح الأراضي للاجئين الآخرين.

إن التنظيمات التي كونها اللاجئين السودانيين نجحت بطريقة واعية وحازمة في الوقت ذاته، كان لها الأثر الأكبر في احتواء أحداث عنف يوليو في مستوطنة كرياندونقو، و اعتمدت تنظيمات اللاجئين السودانيين على توثيق الأضرار أولاً، ثم فتح وإدارة نقاشات مباشرة أشركوا فيه مجتمع لاجئي جنوب السودان بمختلف قبائلهم، ليس النوير وحدهم، بالاضافة إلى مكتب رئيس الوزراء OPM، وحاكم مقاطعة كرياندونقو، وقائد الجيش في المقاطعة، ومدير جهاز الأمن في المقاطعة، ومدير شرطة المقاطعة، وممثل مفوضية اللاجئين، وممثلي مجتمعات لاجئي سبعة دول بالمستوطنة، وإنتهت النقاشات باعتماد تقرير وتوصيات المكتبين القيادي والتنفيذي لمجتمع اللاجئين السودانيين بالكامل، وأهمها، تكوين لجنة مشتركة من لاجئي مختلف الجنسيات لإدارة أي صراع قد ينشأ في المستقبل. وأشاد جميع المشاركين في هذه النقاشات بقدرات تنظيمات اللاجئين السودانيين في جمع كل هذه الأطراف تحت سقف واحد. إنّ معاناة السودانيين وغيرهم من اللاجئين وحديثي الإنتقال من حال اللجوء إلى مجتمع مضيف لا يجب أن تتضاعف، وأن يتم التعامل مع مجتمعات اللجوء بعد دراسة تاريخية واجتماعية شاملة ودقيقة.



أضف تعليق