
بعد أكثر من 500 يوم من الحصار، اسقطت قوات الدعم السريع (الجنجويد) عاصمة شمال دارفور، الفاشر. وعلى نسق مشابه لما حدث في مدينة الجنينة في غرب دارفور مع بداية الحرب، تقوم قوات الدعم السريع بعمليات تطهير عرقي مع إعدامات جماعية، وهناك حديث عن احتمال وقوع إبادة جماعية. خلف هذه “الانتهاكات” تقف دولة الإمارات العربية بامدادها المستمر للأسلحة وبالمرتزقة الكولومبيين
في ظل تهديد الإبادة الجماعية، أعربت الحكومة الألمانية عن “صدمتها”، مع أن العديد من أسلحة قوات الدعم السريع تأتي من أوروبا، لكن لا يرغب السياسيون الألمان في مواجهة الإمارات العربية المتحدة. يفضلون بدلاً عن ذلك مناقشة مواضيع مثل مظاهر الشوارع واحتواء الهجرة، كما يسعون إلى الابتعاد عن مشاكل اللاجئين، حتى القادمين من مناطق الحرب والكوارث. وقد كانت قوات الدعم السريع والتي كانت تعرف سابقًا بحرس الحدود تتلقى تمويلاً وتكليفاً أوروبياً لوقف الهجرة. وقد نشرنا تقريراُ مؤخرًا في فبراير 2025 بشكل مفصل عن دور الإمارات العربية المتحدة في هذه الحرب
https://migration-control.info/en/blog/the-emirates-and-the-war-in-sudan/
ويشير هذا التقرير من مختبر الأبحاث الإنسانية التابع لجامعة ييل صراحةً إلى أن السكان الأصليون ذوو الأصول غير العربية من الفور، والزغاوة، والبرتي كانوا هدفًا لـ”التهجير القسري والإعدامات الناجزة”. وقد دُعمّت هذه النتائج بأدلة على وجود جثث على مقربة من أطراف المدينة، تتوافق مع تقارير عن أشخاص قُتلوا أثناء محاولتهم الفرار
https://files-profile.medicine.yale.edu/documents/876b4afc-e1da-495b-ac32-b5098699a371
ووفقًا لمنظمة الهجرة الدولية، فقد فرَّ يومي الأحد والاثنين 26 و27 أكتوبرحوالي 26 ألف شخص من الفاشر. يحاول هؤلاء الناس الوصول إلى طويلة، وهي مدينة صغيرة تبعد حوالي 60 كم جنوب غرب الفاشر ولا تزال تحت سيطرة قوات حركة جيش تحرير السودان المسلحة بقيادة عبدالواحد نور. أثناء الطريق يتعرضون للإذلال والاغتصاب والضرب والتنكيل على يد مرتزقة قوات الدعم السريع. ويتم اختيار بعضهم ويُقتل بصورة عشوائية
أفادت لنا جهة اتصال في طويلة يوم الاثنين 27 أكتوبر أن عدد اللاجئين الذين وصلوا إلى طويلة لم يتجاوز بضع مئات فقط. ولا يزال من غير الواضح كم عدد الأشخاص الذين لم ينجوا من عملية القتل الانتقائي على أساس العرق أثناء توقيفهم في الطريق. ويُقدّر عدد القتلى بالآلاف ففي نفس اليوم أوردت غرف الطوارئ في الفاشر أرقاماً كبيرة من القتلى
معلومات أساسية عن دارفور
من المهم كخلفية معرفة أن جزءًا كبيرًا من سكان دارفور يعيشون في مخيمات للاجئين منذ أكثر من 20 عامًا. وكان أحد أكبر هذه المخيمات هو مخيم زمزم بالقرب من الفاشر، ويضم حوالي 600,000 نسمة. وتواصل قوات الدعم السريع سياسة التهجير القسري التي بدأت على يد ميليشيات الجنجويد مسنودة بسلاح الجو السوداني خلال حرب دارفور بين عامي 2003 – 2006
لم تكن دارفور يومًا مكانًا للسلام. فقد أصبحت سلطنة دارفور، التي كانت مركزها في جبال مرة، في النصف الثاني من القرن السابع عشر إمبراطورية قوية بفضل تجارة العاج، والذهب، والرقيق. وكان اعتناق الديانة الإسلامية وسيلة للحماية من العبودية والاسترقاق. خصَّص السلطان أراضٍ للقبائل المجاورة مثل المساليت، والبرتي، والزغاوة، مقابل دفعهم للجزية. بينما ظل رعاة الماشية العرب الرحل دون ملكية للأراضي، متنقلين دومًا. ولم يتم ضم دارفور رسميًا للسودان الإنجليزي-المصري حتى عام 1916
وأعادت الإدارة الاستعمارية البريطانية–المصرية تفعيل الهياكل القَبَلية والإثنية في الحكم، الأمر الذي وضع الأساس لصراعات لاحقة. وبشكل خاص، تم استبعاد الرعاة العرب الرحّل من المشاركة السياسية واستمر تهميش دارفور، كما كان الحال في جنوب السودان، حتى بعد استقلال السودان عام 1956
عانت المنطقة من ضعف البنية التحتية، ومن فترات الجفاف المتعاقبة، ومن تصاعد التوترات الإثنية بين المزارعين المستقرين والذين غالبًا ما ينحدرون من أصول إفريقية وبين القبائل العربية البدوية التي كانت تنافسهم على المياه والمراعي. ورغم وجود تصاهر وتزاوج واختلاط وتمازج ثقافي بين هذه المجموعات المختلفة، إلا أن سياسات الإقصاء والتهميش كانت تعود لتسيطر في النهاية وتعزز من الفروقات
في عام 2003، قامت مجموعتان من المسلحين حركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة بالتمرد ضد نظام البشير، متهمين إياه بـ تهميش دارفور بشكل منهجي. وردّ النظام بعنفٍ مفرط، إذ أرسل ميليشياتٍ من الفرسان العرب تُعرف باسم الجنجويد، والتي شنّت حملات قتل وحرق ونهب ضد السكان القرويين من ذوي الأصول الإفريقية، وذلك بإسناد من طيران الجيش السوداني وأسفرت تلك الحرب عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وتهجير الملايين من ديارهم
من المهم فهم الجانب الاقتصادي لعمليات التهجير هذه:
فـ حميدتي والشيوخ (قادة الإمارات) هم رجال أعمال في الأصل، ومجال عملهم هو الحرب، والاستخراج، والزراعة التجارية. إن الحرب الحالية هي امتداد لحرب دارفور، لكنها هذه المرة تُدار من منظور رأسمالي صريح. إذ لدى دولة الإمارات العربية المتحدة وقائد ميليشياتها مشروع واضح وهو الاستيلاء على الأراضي عبر التهجير القسري. ينبغي طرد المساليت من حقولهم، والفور من مزارع المانجو التي يملكونها، والزغاوة من أراضيهم الواسعة التي يستخدمونها للرعي والزراعة. وربما يرون أنه يمكن تنفيذ هذا المشروع بسهولة أكبر في دولة ميليشيات منفصلة عن السودان
حاليًا، يعيش حوالي نصف سكان دارفور في المدن أو مخيمات اللاجئين. وفي ديسمبر 2024 بلغ عدد النازحين داخليًا 5.4 مليون شخص، إضافة إلى أكثر من مليون فرّوا إلى تشاد. في جنوب دارفور نشأت حول مخيمات اللاجئين زراعة مكثفة، وفي الأماكن التي كانت فيها قرى قديمة أُقيمت الآن مشاريع ضخمة لتربية الماشية، وارتفعت صادرات الأغنام والماعز خصوصًا إلى المملكة العربية السعودية بشكل كبير. وقد صرّح حميدتي في إحدى المرات بأن هذه الوضعية تمثّل فرصة للنازحين للمساهمة في الناتج المحلي فهو «يعلم جيداً» أن التهجير القسري شرط من شروط التحديث الذي ينشدونه من يقفون خلفه على قرار أحلام “ريفييرا” ترمب التي يتمناها في غزة
أما حميدتي نفسه، فهو أكبر تاجر ذهب في السودان، وتذهب جميع صادراته إلى الإمارات، وفي المقابل يأتيه من هناك امداد الأسلحة والمعدات والمرتزقة. غير أن هذا النوع من استغلال الأراضي والاستخلاص يؤدي إلى تدهور التربة أكثر فأكثر
وهو غير مستدام على المدى الطويل. ففي غضون بضع سنوات فقط سيزداد الاعتماد على المساعدات الإنسانية بشكلٍ كبير. أما الإمارات، فهي مستعدة مسبقًا لذلك: إذ تمتلك أكبر مركز لوجستي إنساني في المنطقة وستكون من بين المستفيدين ماليًا من هذه الأوضاع
هذا المقال جزء مترجم بتصرف من مقال مطول تم نشره مسبقاً باللغة الألمانية على الرابط التالي
https://migration-control.info/en/blog/talk-about-el-fasher/

أضف تعليق