أكتوبر ١٩٦٤ درس النهوض من جديد

ثورة أكتوبر ١٩٦٤ في السودان تحدّت التصوّرات السائدة عن التغيير السياسي في أفريقيا وما يُعرف بالشرق الأوسط. فقد افترض كثير من الباحثين أن الأنظمة في هذه المنطقة لا يمكن أن تتغيّر إلا بانقلاباتٍ عسكرية أو بالتوريث، لكن أكتوبر قدّمت نموذجًا عمليًا على القدرة الجماعية على الفعل.

ربما من الضروري أن نفهم ثورة أكتوبر لا كحدثٍ تاريخيّ واحد، بل كمسارٍ من الأحداث المتواصلة التي أثّرت بعمق في المجتمع السوداني. فقد أسّست أكتوبر مفهوم الشعب كنقيضٍ للطائفة والقبيلة. كانت أكتوبر طريقًا التقت فيه فئاتٌ متباينة من طلابٍ وعُمّالٍ ومجتمعاتٍ مدينيةٍ مهمّشةٍ ومهنيين، حول هدفٍ مشترك هو إسقاط نظام عبود، نظام حماية رؤوس الأموال الاستعمارية، ونظام الانحياز الذليل للاستعمار.

اعتمد نظام عبود، مثل كل الأنظمة الدكتاتورية التي أتت بعده، في بقائه على تقديم الموارد والولاءات للقوى الإمبريالية ووكلائها الإقليميين. قدّم عبود تنازلاتٍ مستمرةً لمصر، كان أكبرها توقيع اتفاقية تقسيم مياه النيل، والسماح بإغراق مدينة حلفا وتهجير أهلها، وإغراق آثار المنطقة تحت مياه السد. هذه التنازلات الخارجية التي قدّمتها الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة على الحكم في السودان، قابلها داخليًا قمعٌ وتشريدٌ وتقتيلٌ للإنسان السوداني، بلغت ذروتها مع النظام الحالي والمليشيات التي تناسلت منه، والتي تحاصر حاليًا مدينة الفاشر، المدينة الثانية بعد الخرطوم التي انتفضت ضد عبود.

إنّ درس ثورة أكتوبر لا يزال قائمًا، رغم الحصار والقتل والتشريد الذي لم تسلم منه مدينةٌ أو قريةٌ سودانية. إنه درسُ النهوضِ من جديد.

أضف تعليق